"الثقافة" تعيد طباعة "جماليات المكان-غاستون باشلار"

أعادت وزارة الثقافة نشر وطباعة كتاب “جماليات المكان-غاستون باشلار”، الذي قام بترجمته الروائي الأردني الراحل غالب هلسا، وهو من الكتب المهمة التي تسلط الضوء على المكان ودوره في الحياة.
في مقدمة الكتاب، يشير غالب هلسا إلى أن “كتابة المقدمات لكتب مترجمة هي ضرورة، لأن أي كتاب له أي قدر من الأهمية، فان يستمد أهميته ليس فقط من نصه، بل من وضعه في سياق الموضوع الذي يتناوله، مثلا كتاب “فن الشعر”، لأرسطو يكتسب أهميته الشديدة لكونه اول كتاب متكامل في بعض موضوعات علم الجمال، أكثر بكثير من الأفكار التي يحتويها، التي هي مجرد أفكار أولية”.
ويبين هلسا ان هذه المقدمة تعود أولا لأهمية هذا الكتاب ووجوب إيضاح هذه الأهمية، والحاجة الى مناقشة هذا الكتاب، بارتباطه بالقضايا الجمالية وبقضايا فنية أخرى مطروحة في ساحة الثقافة العربية، متسائلا عن المكان في الصورة الفنية؟ حيث ان هذا الكتاب يجيب عن هذا السؤال بأن المكان هو (المكان الأليف)، ذلك البيت الذي ولدنا فيه، بيت الطفولة، الذي مارسنا فيه أحلام اليقظة، وتشكل فيه خيالنا، فالمكانية في الأدب هي الصورة الفنية التي تذكرنا أو تبعث فينا ذكريات بيت الطفولة.
ويرى هلسا أن النقطة الأساسية التي انطلق منها مؤلف هذا الكتاب، هي “ان البيت القديم، بيت الطفولة، هو مكان الألفة، ومركز تكييف الخيال. وعندما نبتعد عنه نظل دائما نستعيد ذكراه، ونسقطه على الكثير من مظاهر الحياة المادية ذلك الإحساس بالحماية والأمن اللذين كان يوفرهما لنا البيت القديم”. اننا نعيش لحظات البيت من خلال الادراج والصناديق والخزائن، التي يسميها المؤلف “بيت الأشياء”.
وعلى المستوى العربي يشير هلسا إلى ان فكرة جماليات المكان في الشعر العربي، فكانت هناك تجربة ثبتت في الشعر العربي على مدى طويل، وبسبب ثباتها وتشابه معالمها الخارجية فهي مجرد تقليد شكلي، او تكلس، غير ذي أهمية او دلالة، وهي “بالبكاء على الاطلال”، مبينا أن الاستنكار والتأييد لهذه التجربة، ينطلقان من كونها تقليدا شكليا تكلسا بسبب ثبات بعض عناصرها، ولكن المنطلقين ينسيان ان جميع الصور الفنية الكبرى تمتلك عبر التاريخ بعض العناصر الثابتة وخاصة صورة بيت الطفولة.
ويوضح هلسا أن العناصر الثابتة في البكاء على الأطلال هي “أولا المرور على أثار مساكن الطفولة، والتذكر، ثانيا والشاعر يتذكر هنا المرأة أساسا، النساء انه يتذكرها حبيبة، او مجرد علاقة، يتذكرها بشكل رئيسي كجارة او مجموعة من الجارات”.
اما مؤلف الكتاب غاستون باشلار فيقول في مقدمته “إن الصورة الشعرية هي بروز متوثب ومفاجئ على سطح النفس، لم تدرس بشكل واف الأسباب النفسية لهذا البروز المفاجئ، فاننا لا نستطيع إقامة مبادئ عامة ومتربطة كأساس فلسفة الشعر. إن وضع مبدأ أو “أساس” في هذه الحالة سوف يكون امرا مدمرا، لأنه سوف يتداخل مع الحدث النفسي الجوهري مع الجوهرية للقصيدة، في حين ان التأمل النفسي عندما يطبق على التفكير العلمي الذي تمت صياغته خلال فترة طويلة من الزمن، يتطلب ادماج كل فكرة جديدة في مجموعة من الأفكار التي ثبتت صحتها بالتجربة”.
ويقول باشلار إن قدرة الصورة الشعرية على التواصل مع المتلقي هي واقعة ذات دلالة انطولوجية كبيرة، لافتا الى ان الصورة الشعرية تثيرنا، ولكنها ليست ظاهرة اثارة. خلال البحث السيكولوجي نستطيع، ان نتذكر وسائل تحليل نفسية تحدد شخصية الشاعر، فنجد مجموعة من الضغوط التي خضع لها الشاعر خلال حياته. وهذا يعني دراسة ظاهرية الصورة الشعرية حين تنتقل الى الوعي كنتاج مباشر للقلب والروح والوجود الإنساني، وهي مدركة في حقيقة هذا الوجود.
ويذكر ان الروائي الأردني غالب هلسا الذي ولد في ماعين 1932-1989، هو روائي ومترجم وصحفي أردني، له عدة من الروايات من اشهرها رواية “سلطانة”، “الضحك”، “السؤال”، وظف في اعماله الروائية تقنيات الحداثة وما بعد الحداثة، أمضى أعوامه الأخير في دمشق، بعد وفاته أعيد جثمانه ليدفن في الأردن وطبعت أعماله هناك، ويعده البعض رائد الرواية الأردنية.
صدر له في مجال الرواية “الخماسين”، “الضحك”، “السؤال”، “ثلاثة وجوه لبغداد”، “سلطانة”، “الروائيون”، “البكاء على الأطلال”، وفي مجال القصة صدر له  “وديع والقديسة ميلاده”، “زنوج وبدو وفلاحون”، وفي مجال الفكر والنقد صدر له “العالم مادّة وحركة”، “قراءات في أعمال: يوسف الصايغ، يوسف إدريس، جبرا إبراهيم جبرا، حنّا مينه”، “المكان في الرواية العربية”، “الجهل في معركة الحضارة”، “فصول في النقد”، “التأويل من ابن رشد إلى حسن حنفي”، “نقد الأدب الصهيوني: دراسة أيديولوجية ونقدية لأعمال الكاتب الصهيوني: عاموس عوز، مع الترجمة العربية الكاملة لروايته الحروب الصليبية”.
عزيزة علي، الغد
 30/3/2022
 


كيف تقيم محتوى الصفحة؟