Logo 2 Image




جلسة نقدية في «ثقافة الكرك» حول رواية «المهندس» للمجالي

 

No Image

 

عاين مختصون في الأدب الحديث ونقده في جلسة نقاشية نظمتها مديرية ثقافة الكرك عناصر البناء الفني والمكاني والزماني والعتبات النصية والعناوين والشخوص والأبعاد النفسية والتأملات الفلسفية والصوفية في رواية الأديب سامر المجالي، مبرزين جمالياتها وفنياتها البنائية والتخيلية كنص سردي متكامل حفل بمضامين مقنعة ومشوقة تصلح لبناء دراسة حولها.

وقدم أستاذ الأدب العربي الحديث ونقده في جامعة مؤتة الدكتور طارق المجالي في الجلسة التي أقيمت في مركز الحسن الثقافي وحضرتها مديرة ثقافة الكرك مساعدة أمين عام وزارة الثقافة للشؤون الثقافية عروبة الشمايلة وجمع من الأدباء والمثقفين، دراسة تحليلية أكاديمية معمقة للرواية، التي قال إنها بأفكاره الفلسفية التأملية العرفانية تقدم عرضا بانورامياً متكاملا، وتجربة إنسانية فريدة لعلاقة الإنسان بالإنسان والمكان والوجود،كما تقدم صورة متكاملة لسيرة شاب أردني يسعى إلى تحسين وضعة المادي والمهني بأهداف ذكية محددة، مشيرا إلى أنه يمكن قراءة العمل على أنه جنس هجين، جمع عناصر واقعية ممزوجة بعناصر تخيليّة تصنف على أنها «سيرة روائية، أو كما يحلو للبعض تسميتها (بالسيراوية)، وهو الشكل الأدبي الذي ظهر في القرن الماضي وتطور في الوقت الراهن.

ورصد المجالي في دراسته بعض عناصر الرواية المضمونية والشكلية بالوقوف على العتبات النصية وعناوين الرواية من حيث الغلاف الأمامي والخلفي وشخصية البطل ومدى توافقها مع سيرة الروائي الذاتية، والوقوف على طبيعة السرد والزمن الروائي ومدى قربة أو بعده عن عناصر التخييل الروائي ومدى التطابق بين الأمكنة في الرواية ومطابقتها لأمكنة جغرافية وتواريخ واقعية بذاتها.

وأشار المجالي إلى أن مضامين العمل الروائي تكثفت حول هموم ذاتية ونفسية واجتماعية ودينية تحكي قصة الراوي (فراس زيد فرحان) ومسيرة حياته العملية والمادية التي تأرجحت بين الفقر والغنى الذي أورثه بعض عقده النفسية وانتهاء بمصيره المحتوم مديناً مطاردا، أما شخوص الرواية الآخرون فهم شخوص ثانويون يتوزعون حضورا أو غيابا على شكل بؤر سردية مهمتها الأساسية رسم ملامح الراوي العاطفية والاجتماعية والمهنية والدينية.

وفي قراءته الداخلية للعمل تطرق المجالي إلى عتبة العنوان «المهندس» والذي قال إنه جاء تقليديا مباشرا كتب بالخط الديواني العثماني المناسب في خصائصه الفنية للبعد الهندسي لمعمار الحرف العربي، أما عنوانات الرواية الداخلية فجاءت مستوحاة من تعرجات وتموجات الذات المتعبة التي تعاني القلق المأزوم، عبّرت اختيارات الروائي فيها عن قفزات مكانية وزمانية ونفسية حققت للراوي توازنه النفسي.

من جهته، أبدى المجالي تحفظه على هذا الشكل التقني في الرواية وقال كان من الأجدى الاكتفاء بعناوين حداثية تستثمر لعبة الفضاء البصري.

وتناول المجالي في تحليله بنية الزمن في الرواية، لافتا إلى تمظهرات الزمن الدائري والتي بدت واضحة في الكم الهائل من الاسترجاعات الداخلية والخارجية والمونولوجات وتيار الوعي، أو من خلال الوصف والمشهدية و الحوار والاستباق أو استشراف الحدث قبل وقوعه.

وزاد إن من العناصر اللافتة في الرواية احتضان السارد للمكان بأبعاده المعمارية وضخ ثقافته الهندسية وشحناته النفسية والانطباعية واستدعاء الذاكرة المكانية وما يحمله المكان من تاريخ، ما أضفى على العمل بعدا هندسيا وجماليا كما جاءت اللغة شعرية بثت أفكارا فلسفية تأملية،إضافة إلى اعتماد اللغة المشحونة بالرمز والإيحاء واللغة الساخرة الطريفة أحيانا.

ووقفت أستاذة الأدب العربي الحديث بجامعة مؤتة والمتخصصة في مجالي المسرح والرواية الدكتورة ريم المرايات في قراءتها المستفيضة للرواية عند جمالياتها وتقنيات تشكيلها، مشيرة إلى أن الروائي أبدع تحفة فنية تصلح أن تكون فيلما ً سينمائيا ً أو عملاً درامياً مميزاً.

وقالت المرايات إن الرواية التي بنيت بشكل فني محكم، تناولت تجربة مهندس شاب طموح بحث عن حياة أفضل، ورأى أن سعادته في المال، ولكن السبيل إلى تحصيله محكوم بقوانين الربح والخسارة، والتجربة والعلاقات والأصدقاء والأمكنة والمرحلة الزمنية والتوفيق أيضا، لأنه يقتضي السير في طريق شائك مليء بالأفخاخ ولهذا عاش البطل الذي نقصته الخبرة في النهاية سراب المال والأحلام.

وأضافت المرايات أن الرواية التي اتخذت شكل السيرة الذاتية في سرد الأحداث مما أسبغ عليها جمالية خاصة، تحمل صرخة تحذيرية من تفاقم الأوضاع الاقتصادية الصعبة وغياب العدالة وتكافؤ الفرص بين الشباب، وخفايا التلاعب بالمال والاستثمار، والمغامرات غير المحسوبة بكل أبعادها، كما تحذر من خطورة الرغائب والشهوات بأنواعها على الحياة الشخصية والحياة الاجتماعية للأفراد ومن زخرف الحياة المترفة وبريقها الجذاب الذي ينطوي غالباً على سراب، إضافة لتأكيدها على التواصل الإنساني بين الطبقات الاجتماعية المختلفة وربط ذلك بالهندسة والمعمار، وروح المدينة، وكينونة الإنسان المادية والروحية.

وتطرقت المرايات بحديثها لعناصر البناء الفني وميزاتها، ومنها الشخصيات التي قالت إن الكاتب أولاها حقها في الوصف والدور والوظيفة والمعتقد وفي شرح حالها وأفكارها وسلوكها ونهاياتها ما نتج عن ذلك شخصيات واقعية نابضة بالحياة، كما بين الشخصيات بأبعادها الثلاثة الجسدية والنفسية والثقافية الفكرية فكان الكاتب يصف الشخصية من الخارج ثم ينفذ إلى أعماقها ليضيء بأبعادها المشار إليها.

وبينت المرايات أن الكاتب أجاد في توظيف الزمن الداخلي في روايته، ونوع فيه حسب ما اقتضت مجريات السرد، فراوح بين الاسترجاع وهو توقف السرد عند نقطة معينة والعودة إلى ما قبل زمن السرد لاستحضار أحداث بعينها أو لإضاءة حقبة أو الحديث عن شخصية أو تعميق صورتها ثم العودة مرة أخرى إلى زمن السرد،كما تكرر تباطؤ السرد وتسارعه والحذف والتلخيص على امتداد صفحات الرواية، أما بطل الرواية الذي يقوم برواية الأحداث بنفسه، فقالت إنه راوٍ كلي العلم، وماكر فنيا بما يكفي في إثارة عنصر التشويق وكسر الملل ويروي لجماعة، وليس ذلك عبثاً وإنما المقصود منه نقل التجربة والاعتبار بما حدث.

وأشارت المرايات إلى أن لغة الرواية امتازت بالبساطة والسهولة والرشاقة والأداء المركز والاختزال، والقدرة على الوصول إلى المعاني أو بناء المعاني بأقل الكلمات،كما أبدع الكاتب في بناء الحوار وفي التشبيهات المقاربة والمعبرة عن حدث بعينه، وحفلت الرواية أيضا بالمنولوج، وهو ما وصفته بالطبيعي في رواية اتخذت شكل السيرة الذاتية.

بدوره قال الأديب الروائي المهندس المجالي إن روايته » المهندس» هي أحد أحلامه التي كانت تراوده بأن يكتب روايتين، رواية عن الكرك وأخرى عن عمان لأنه عاش في المدينتين وكلتا المدينتين تركتا أثرا من روحها تاريخها فيه، فتحقق الحلم الكركي في العام 2020 بصدور روايته «المؤابي » وبقي الحلم العماني حيث شرع بكاتبة رواية عمانية بالخالص ليس فيها أي مدينة أو مكان أخرى إلا بما يضيف إلى حبكتها، وتعلقت بحدث ما وقع في عمان في العام 2018، ثم فجأة جاءت فكرة المهندس وهي فكرة مختلفة عن فكرة الراوية العمانية التي كان على وشك كتابتها وإن كانت عمان مسرحا لكلتا الروايتين.

وتابع المجالي ولدت الفكرة، وعادة تأتي الأفكار من هذا النوع بالبداية والنهائية،ثم على الراوي اذا كان يمتلك من المهارات التي تؤهله لتحويل فكرته إلى رواية أن يملأ تلك المساحة الشاغرة بين البداية والنهاية، وهذا ما حصل حيث كتب روايته المشار إليها في(8-9) أشهر مع فترات انقطاع وصدرت في الشهر الأخير في العام 2023، وتدور أحداثها في ثلاث دول عربية هي الأردن ومصر والإمارات، انطلاقا من مدينة عمان التي ولد وعاش فيها بطل الرواية سنوات شبابه قبل أن ينتقل للعمل في إمارة دبي، وتبدأ من هناك شهادته على العصر الذي عاشه بتجلياته المتعددة لا سيما المتعلقة بعالم المال والأعمال.

وأشار المجالي إلى أنه لا يميل إلى اعتبار هذه الرواية سيرة ذاتية تمثله شخصيا لكن هناك تقاطعات بينه وبينها واستطاع توظيف خبراته العلمية والعملية لإضفاء الواقعية على مواضيع عديدة داخل الرواية، ومن وجهه نظره الخاصة حول ما وجه له من أراء تتصل ببساطة العتبات والغلاف والعناوين وعدم وجود مقدمة أو إهداء في روايته، قال المجالي إن الرواية دون أصناف الأدب جميعها تقوم أكثر من غيرها وربما بالكامل على التخييل لتنقل القارئ من العالم الواقعي إلى علم مواز، وهنا تكمن مهارة الكاتب في جعل القارئ يتورط في هذا العالم الموازي ويصدق أنه موجود فيه ويتابع أحداثة و يظن أنه سيرته الذاتية.

وقال عميد كلية الآداب بجامعة مؤته الدكتور ماهر المبيضين الذي أدار الجلسة إن رواية «المهندس» تعد نموذجًا في الرواية الأردنية المعاصرة موضوعيًا و فنيًا، فهي تعالج موضوعًا يخص الشباب الطامح لتحقيق آماله وطموحاته اقتصاديًا و ماليًا في خضم الظروف الصعبة التي يواجهها.

وأشار إلى ان الرواية محكمة في بنائها الفني من حيث لغتها الواقعية التي تعد من السهل الممتنع، وتميزت أيضًا بتوظيف تقنيات السرد والزمان بمختلف أشكاله، والمكان والشخصيات والحوار، وهي عناصر فنية أسهمت في تماسك النص من الداخل، حيث تمكن كاتب الرواية من توظيف هذه التقنيات بطريقة لافتة وجاذبة للمتلقي رغم التخيلات التي تضمنتها.

و قالت الشمايلة في ختام الجلسة إن من شأن هذه اللقاءات والجلسات النقاشية التي تعقد في رحاب مركز الحسن الثقافي الفضاء الإبداعي الحر المشرع أبوابه لكل الأدباء والكتاب والنخب المثقفة على امتداد مساحة المحافظة والوطن، أن تثري المشهد الثقافي الذي يروي إرثنا الأدبي، مثنية على ما يقدمه الأديب المجالي من نتاج أدبي غني يشكل إضافة نوعية للمكتبة الأردنية.

الكرك – نسرين الضمور

18/4/2024


كيف تقيم محتوى الصفحة؟