متحف السلط التاريخي (بيت أبو جابر)
23/6/2014
تنفرد مدينة السلط بمبانيها المقامة من الحجر الأصفر، المتناثرة على سفوح تلالها في تناغم وانسجام، ويرتبط تاريخ معظم هذه المباني بالعصر الذهبي للمدينة (1881-1918). ويرتبط هذا الطراز المعماري المتميز بأحداث تاريخية مهمة، ويشهد على ازدهار تجاري كبير مما يضفي على المنطقة ثراءً في التنوع، ويكسبها رونقاً وبهاء ويجعلها ذات أهمية للأردن ويؤهلها بالتالي لأن تكون منطقة جذب سياحي.
بما تكون السلط هي الوحيدة بين مدن المملكة التي تضم عدداً كبير من البيوت والمساجد والكنائس التي يتجاوز عمرها المائة عام بطراز معماري متميز ضمن دائرة لا يتجاوز قطرها 2000 متر، وربما يتجاوز عدد البيوت التراثية في مدينة السلط 1000 بيت شُيدت جميعها بالحجر الأصفر، وهذا عدد قد لا يتوفر في أي مكان آخر في الأردن.
ويعد بيت أبو جابر أحد أبرز البيوت التراثية في وسط مدينة السلط العتيقة، ويعود تاريخه إلى أواخر القرن التاسع عشر.
ففي عام 1890 وبعد شراء الجوابرة للأرض بمساحة إجمالية 700 متر، تم هدم البيت القديم وبوشر ببناء الطابق الأرضي منه عام 1892 على مرحلتين؛ الأولى من الجهة الشرقية من الحجر الأبيض الذي جُلب من منطقة وادي شعيب. أما المرحلة الثانية في الطابق من الجهة الغربية فقد بنيت من الحجر الأصفر الذي جُلب من منطقة السلالم في السلط عام 1896.
وفي عام 1902 بوشر ببناء الطابق الأول نتيجة لتكاثر أفراد العائلة وازدياد المتطلبات الأساسية بحيث قسم الطابق إلى ثلاث شقق مستقلة، فسكنت العائلات هذا الطابق، وجهز هذا الطابق لاستقبال الضيوف وإقامة الولائم واستُغل الطابق الأرضي كاملا كمضافة ومستودع للغلال وخان للدواب ورواحل الضيوف.
إن النمط المعماري لهذا الطابق أنموذجا للنمط المعماري التقليدي السائد في المنطقة في تلك الحقبة الزمنية، حيث يتكون من غرف عدة بأحجام مختلفة ومسقوفة إما بعقود برميلية أو متقاطعة، ويتطلب هذا النوع من البناء أن تكون الجدران سميكة بحيث تتراوح ما بين 60 سم و100 سم، والأبواب مقنطرة. أما السقف فقد بني على شكل قباب متقاطعة.
أهم استخدامات هذا الطابق تمثلت في السكن، أما الطابق الأول فقد اشتمل على ثلاثة أجنحة في كل منها غرفة رئيسية بعقد برميلي تقود إلى غرف أخرى متقاطعة العقود. وقد انعكس النمو الاقتصادي لمدينة السلط على هذا الطابق، حيث جاء أكثر إتقاناً في تفصيلاته المعمارية، وهو يتميز ببنائه من حجر "الحثّان" المدقق بتفصيلاته الحجرية المتقنة وجدرانه المكسوة بالجبس والمزخرفة، والشرفات البارزة التي استُخدمت الدعامات في بنائها.
وبعد الانتهاء من الطابق الأول والذي اقتصر على السكن، استُخدم الطابق الأرضي كمضافة ومخازن وإسطبلات.
وفي عام 1906 أضيف الطابق الثاني للبناء، حيث استُخدمت فيه حجارة السلط مرة أخرى كما استُخدم في هذا الطابق مواد أخرى جُلبت من الخارج (الرخام من إيطاليا، والقرميد من ألمانيا، والزجاج من بلجيكا)، واشتمل الطابق على ثلاث شقق في كل منها باحة داخلية وقاعة مزخرفة لاستقبال الضيوف. وأهم ما يميز هذا الطابق دقة تفاصيله؛ حيث السقف المزخرف، والسقوف المائلة والأدراج المعلقة. وامتاز أيضا بجدران بسماكة قليلة تصل إلى 30 سم وتحمل سقوفاً مائلة من الخشب مغطاة بالقرميد الأحمر، وقد بنيت جميع طوابق المبنى من قبل البَنَّاء النابلسي عبد الرحمن العقروق.
يعد بيت أبو جابر تحفة من التحف المعمارية المميزة في مدينة، إذ لم تقتصر العناصر المعمارية الجميلة على المبنى والواجهة الأمامية فقط، بل هناك عناصر معمارية متميزة من الداخل، ومن هذه العناصر البلاط.
لقد كانت أرضية الطابق الأرضي مبلطة بحجارة ذات قياسات غير متساوية؛ مربعة ومستطيلة وذات أحجام مختلفة. ويكون البلاط المزخرف وفق أشكال هندسية وأخرى نباتية. وقد كشفت عملية ترميم المبنى عن أرضية حجرية في هذا الطابق، وتحديدا في غرفة المضافة التي أعاد الجوابرة تبليطها بالبلاط المزخرف الملون (قياس 30×30 سم)، بألوان منها الأسود والأصفر والوردي واللون الطبيعي للحجر.
أما الطابق الثاني، فقد تم تبليط معظم الأرضيات فيه بالرخام من نوع "كرار" الذي جُلب من إيطاليا في ذلك الوقت، ويقال تكلفة قطعة الرخام الواحدة بقياس 75×75 سم بلغت ليرة ذهبية عثمانية، حيث تم نقل هذا الرخام من إيطاليا إلى ميناء حيفا، ومن هناك بواسطة القطار إلى درعا، وبواسطة سكة حديد الحجاز من درعا إلى عمّان، وعلى ظهر جمال الجوابرة من عمّان إلى السلط.
أما الرسوم على البلاط، فهي أزهار ونباتات، ويبدو التأثير الأوروبي واضحاً، حيث تم استخدام العديد من التصاميم الشائعة في الفن الزخرفي الأوروبي وكانت الرسوم الهندسية شائعة أيضاً، حيث يبدو تأثير فن الزخرفة (الأرابيسك) واضحا.
وهناك نموذج آخر من الرسومات الجدارية تم الكشف عنه في بيت أبو جابر خلال فترة الترميم، وبخاصة في الطابق الثاني، وتحديدا في غرفة المضافة التي تدل على الذوق الرفيع والحس الفني المرهف.
إذ تم الكشف عن رسمين لبيتين من الطراز الخاص من البيوت الريفية يُظهران جمال الطبيعة في مناطق أوروبا، كما تميزت جدران المطبخ في بيت أبو جابر برسومات متعددة، منها طلاء الجدران الذي يظهر كأنه مغطى بقشرة من البلوط.
أما الرسومات السقفية، فتتميز بالدقة والجمال، ومنها رسومات الفصول الأربعة في المضافة (الطابق الثاني من المبنى)، حيث استخدمت الألوان الزيتية لهذه الرسومات، وقد وجد هذا النوع من الرسومات في بلاد الشام وسوريا ولبنان وفلسطين، أما في مدينة السلط فقد اقتصر على بيت أبو جابر.
ويُعتقد أن الفنان الذي وضع هذه الرسومات ألماني يُدعى (menlik) قدم من حيفا مع عدد من الفنانين واستخدم الألوان الزيتية والمائية لهذا العمل.
وقد احتفظت رسومات بيت أبو جابر بشكلها الجميل حتى العام 1930، حيث ترك الجوابرة المنزل على مراحل كان آخرها سنة 1936 وانتقلوا للسكن في عمان، حيث استأجرت المنزل مجموعة من العائلات، وبعدها أصبح مركزا للهلال الأحمر، وروضة للأطفال، وكان لذلك أثر سلبي على هذه الرسومات التي لم يُحافَظ عليها.
وتم ترتيب صالات العرض بطريقة تتلاءم والتصميم الداخلي للمتحف مع أقل قدر من التعديلات الفراغية، ومن ثم تم تجهيزه بمعدات وأدوات وأثاث العرض.
يعرض المتحف تاريخ السلط وثقافتها وفلكلورها في فترة ازدهارها منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين (1847-1918)، وبمساحة إجمالية 1.242 مترا مربعا.
يضم الطابق الأرضي مركزا للزوار ومركز دراسات وقاعة عرض مؤقتة، أما الطابق الأول فيحتوي على قاعات عروض دائمة لتاريخ المدينة وجغرافيتها. فيما يركز الطابق الثاني على المواضيع الثقافية والمعمارية والحياة اليومية للمدينة.
للتواصل:
- متحف السلط التاريخي (بيت أبو جابر) 009653555652
- مديرية آثار السلط 009653555651
حُدث بتاريخ 14/9/2020