تطور الغناء الأردني
لقد تميزت المملكة الأردنية الهاشمية بالعديد من الألوان الغنائية، التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بدورة حياة الإنسان الأردني منذ ولادته وحتى وفاته، حيث تشهد كل مرحلة من مراحل حياته لوناً معيناً ونمطاً خاصاً، وسمات تُميز كل مرحلة منها عن الأخرى، معتمدة في ذلك على الأصالة، ومُستمدة تكوينها الفني من تراث الشعب الأردني الذي ينتقل شفاهة من جيل إلى جيل، معبراً عن روح الشعب وعن مختلف تقاليده (جعفر، 1975، ص14).
فالأغنية الأردنية لازمت الإنسان الأردني كظله تماماً، يعبر من خلالها عن أفراحه وأتراحه بمشاعر صادقة جياشة، إذ يساهم اللحن المصاحب للأغنية في تكوين تلك الأغنية، ويعد عاملاً فعّالاً في تقوية الذاكرة عند المغني (حجاب، ص11-13)، ويلعب الإيقاع دوراً هاماً في أغاني التراث الشعبي الأردني، حيث يظهر ذلك جلياً في تراكيب تلك الأغاني وخاصة أغاني الدَّبكات (الرقصات) الشعبية (أبو الرب، 1980، ص15-18).
وإلى جانب التميز الإيقاعي لأغاني التراث الشعبي الأردني، فإن ألحانها أيضاً تتميز بقصر جملها الموسيقية، وتسلسل نغماتها الموسيقية، ووضوح وأصالة مقاماتها الموسيقية، مع زخرفة موسيقية نشطة تولدت عنها جاذبية لحنيّة أخّاذة تفجرت من قلب الشعب ووجدانه، فتخطت حدود الأردن إلى الخارج بكل قوة عبر مختلف وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وتغنى بها العديد من الفنانين الأردنيين أمثال: توفيق النمري، سلوى، إسماعيل خضر، عبده موسى، سهام الصفدي، وغيرهم، ونقلها العديد من الفنانين العرب عبر حناجرهم وجولاتهم إلى بلدانهم ومختلف أنحاء المعمورة، حيث تغنى بها كل من: سميرة توفيق، فؤاد حجازي، دريد لحام، وديع الصافي، نجاة الصغيرة، غادة محمود وغيرهم الكثير من المطربين والمطربات.
كذلك فقد انتشرت أغاني التراث الشعبي الأردني عن طريق مجموعة متميزة من الفرق الموسيقية والغنائية الأردنية، التي قامت بجولات فنية إلى مختلف بلدان العالم، ومن أهم هذه الفرق:
فرقة الإذاعة الأردنية وفرقة الملكية الأردنية، وفرقة الفحيص، وفرقة الرمثا للفنون الشعبية، وفرقة معان للدبكة الشعبية، وفرقة إربد للموسيقا العربية، وغيرها من الفرق الأردنية والعربية والعالمية، كما ويساهم مهرجان جرش الدولي السنوي للثقافة والفنون في نشر الغناء الأردني من خلال الفرق المحلية والعالمية التي قدّم العديد منها أغانيَ أردنية في صور جميلة ومعبرة عن الترابط بين الشعب الأردني ومختلف شعوب العالم.
إضافة إلى أغاني التراث الشعبي الأردني فإن ثمة ألواناً غنائية أخرى صيغت نصاً ولحناً وأداءً على منوال أغاني التراث الشعبي، واستخدمت ألحان هذه الأغاني كأفكار أساسية لألحان جديدة في قوالب فنية مبتكرة، انتشرت في الغناء الأردني ضمن أغان جديدة طويلة متطورة، أو ضمن أعمال فنية تشمل مقدمة موسيقية وتحويلات نغمية مختلفة، تؤديها فرقة موسيقية كبيرة، يصاحبها مطرب محترف صنْعته الغناء.
وكذلك فإن بعض الموسيقيين الأردنيين الذين تلقوا دراستهم الموسيقية التخصصية في جامعات ومعاهد موسيقية عربية وعالمية، استخدموا أغاني التراث الشعبي الأردني كنواة لأعمال موسيقية في أشكال عالمية متطورة قامت على ألحان تراثية أردنية. وقد اهتم الأردنيون بالحفاظ على تراثهم الغنائي ونشره إلى آفاق أوسع وأرحب وبوسائل حديثة سايرت التطور التكنولوجي لهذا العصر وأهم تلك الوسائل الإذاعة والتلفزيون، مما جعل الأغنية الأردنية تُسمع في مختلف أرجاء الوطن العربي والعالم.
كذلك فقد تطورت نظرة المجتمع الأردني إلى الموسيقا والموسيقيين والغناء والمغنيين، فأصبحت نظرة احترام وتقدير، وتشجيع على احتراف الموسيقا والغناء، ويؤكد ذلك انتشار العديد من الكليات والمعاهد العلمية المتخصصة بتدريس الموسيقا ومنها: كلية التربية والفنون الجميلة بجامعة اليرموك/ إربد، والأكاديمية الأردنية للموسيقا/ عمان، والمعهد الوطني للموسيقا/ عمان، والعديد من المعاهد والمراكز الموسيقية في مختلف أرجاء المملكة. واهتمت وزارة التربية والتعليم بالموسيقا فأدخلت الموسيقا والأناشيد كمادة دراسية لطلابها، وشكلت لذلك فرقاً علمية متخصصة لإعداد مناهج موسيقية بمواصفات تربوية وموسيقية متطورة، إضافة إلى ذلك فقد أفردت وزارة الثقافة في الأردن جوائز مادية ومعنوية هامة للمبدعين في مجال الموسيقا والغناء.
إن الجهود المتواصلة لمختلف المؤسسات الوطنية الحكومية وغير الحكومية ساهمت في دفع الحركة الموسيقية في الأردن. وأثّرت بشكل ملحوظ على هذه الحركة، فأخرجت إلى النور كثيراً من الموسيقيين والمطربين والباحثين الأردنيين الذين رفعوا اسم الأردن عالياً في العديد من المسابقات والمهرجانات والمؤتمرات العربية والعالمية، وحققوا مراكز متقدمة فيها، مما يُعد بحق دليلاً موجهاً ومؤكداً على أن تلك الخطوات والبرامج تسير بالاتجاه الصحيح نحو آفاق مشرقة للموسيقا والغناء في الأردن.
ألوان الغناء التراثي الأردني
إن اللغة العربية هي وسيلة التفاهم الأولى بين أفراد المجتمع الأردني، وحيث أن الأردن مكوّن من عدة أقاليم وتسود في كل إقليم منها لهجة لغوية وغنائية خاصة، فإن اللهجة في جنوب الأردن وشرقه المتميزة بالبدوية تختلف عنها في شماله المتميز بالريفية، وعن أوسطه المتسم بالمدنيّة، وجميعها لهجات عربية قديمة أصيلة الجذور وتتشابه مع اللهجات العربية المجاورة بشكل كبير، فاللهجات الأردنية وخاصة البدوية والريفية تتشابه مع مثيلاتها من لهجات الرافدين وبلاد الشام والجزيرة العربية.
يعتمد الغناء التراثي الأردني على اللهجة العامية فهو يُصاغ بشكل نصوص شعرية شعبية أو زجلية، تروي قصص وملاحم الحياة التي مر بها الإنسان الأردني بشكل خاص والإنسان العربي بشكل عام، مؤكدة على نظرة الإخاء والتسامح بين أبناء العالم العربي بمختلف ألوانهم ودياناتهم (Bin Talal, 1984, P.55))، وتحتوي أغاني التراث الشعبي الأردني على ألوان أساسية مختلفة من الغناء أهمها: الغناء البدوي، الغناء الريفي، الغناء البحري (غوانمة، 1989، ص82).
المصدر: الأهزوجـة الأردنيـة، د. محمد غوانمه، وزارة الثقافة، إصدارات مكتبة الأسرة، عمان، 2009.