الموسيقيون الأردنيون
ينضوي الموسيقيون الأردنيون تحت ثلاث جماعات وذلك حسب الأساليب التلحينية التي يتبعونها.
1- الموسيقيون الشعبيون
وهم جماعة الموسيقيين اللذين يقدمون الفن الشعبي أو الأغاني المتأثرة بالموسيقى الشعبية. وأكثر هؤلاء شُهرةَ في الأردن ثلاثة وهم:
عبده موسى (1927- 1977)
ولد عبده موسى عام 1927 في مدينة إربد بشمال الأردن من عائلةٍ غجرية بسيطة. مات أبوه قبل ولادته، فنشأ في كنف أخيه الأكبر. وعندما بلغ العاشرة من عمره بدأ بتعلم العزف على ربابةٍ كان قد صنعها بنفسه. ثم عكف على حفظ الأغاني المعروفة في محيطه. لقد استطاع عبده موسى بما وهبه الله من صوت جميل وحاد أن يبرع في أداء الفن البدوي الأردني. ولقد غنى خلال أربعين سنة، القوالب الغنائية المختلفة كالهجيني، والقصيدة البدوية، والسامر، والشروقي وغيرها، مُصاحباً غناءه بربابته.
لقد بدأ عبده موسى حياته الفنية بإحياء الحفلات الشعبية بالغناء والعزف. وجرى بذلك مجرى الشعراء القدامى، يتنقل من قريةٍ لأخرى ومن دار فرحٍ لأخرى. وبهذه الفترة من حياته اكتسب عبده موسى خبرةً فنية واسعة كانت أساساً ارتكزت عليها شهرته كمغن وعازف منفرد كبير.
وفي عام (1958) كان أول اتصالٍ له مع الجمهور عبر الأثير. فقد غنى "بيّاوَلاَ بِيْك" من دار الإذاعة الأردنية في القدس. وفي عام (1959) عُيّن في فرقة دار الإذاعة الموسيقية في عمان، مما سمح له أن يتصل بسهولة بموسيقيين ومغنيين عرب ومحليين. وغنى عدداً من الأغاني مع مغنياتٍ عربيات، ولاقت هذه الأغاني نجاحاً كبيراً على مستوى العرب عامة.
بدأت الحقبة الثالثة من عمره الفني مع أولى رحلاته الفنية بمرافقة فرقة الرقص الشعبي الأردنية إلى بريطانيا حيث عزف وغنى في قاعة "الألبرت هول" (Albert Hall) في لندن. وتوالت بعد ذلك رحلاته الفنية برفقة فرقة الرقص الشعبي، ففي عام 1977 غنى في باريس وفي تونس حيث نال، في الأخيرة منهما، جائزة أحسن عازف على آلة موسيقية شعبية. وقبلها في عام 1974 زار المملكة المغربية. كما قام بجولاتٍ فنية في كل من رومانيا، وعُمان، والبحرين، وقطر، والولايات المتحدة الأمريكية.
لقد كان عبده موسى مغنياً أردنياً عظيماً لأنه عبر عن مشاعر الأردنيين، وأبرز اللهجة الموسيقية للصحراء الأردنية الواسعة. لقد عاش كبدوي، في حله وفي ترحاله من بلد لآخر، حاملاً ربابته مكحلاً عينيه، مشتملاً بعباءته مُعتمراً بكوفيته. وظل كذلك حتى وفاته في 20/6/ 1977.
جميل العاص:
موسيقار أردني من أصل غجري؛ ولد في القدس عام 1928، أتقن العزف على آلة "البُزُقْ" ويُعتبر أستاذ الفن الشعبي القروي. ولحن عددا كبيرا من الأغاني الوطنية والعاطفية منها "بين الدوالي" و"دلعونه" و"بس ارفع ايدك" و"مرحب يا ريم الفلا" وغيرها. كما لحن لعدد من الفنانين الأردنيين والعرب، منهم زوجته المطربة سلوى، ويوسف رضوان وفهد النجار وإلياس عوالي وإسماعيل خضر ومحمد وهيب وسميرة توفيق وشكري عياذ، ومن المطربين العرب: وردة الجزائرية ونجاة الصغيرة وعادل مأمون وإسماعيل شبانه وفهد بلان ونجاح سلام وياسمين الخيام وسهام شماس وعلي الحجار ومحمد ثروت ووديع الصافي.
ولقد تَطّور جميل العاص بنفس طريقة تطور عبده موسى مع اختلافٍ في الوسط المحيط بهما. فلقد بدأ حياته الموسيقية أيضا بالعزف في الأفراح والمناسبات الاجتماعية، كالأعياد وحفلات الزواج حيث استطاع أن يبرع في العزف على آلة البزق وأصبح سيد هذه الآلة في الأردن. ومنذ إنشاء دار الإذاعة في عمان وجميل العاص يعمل رئيساً لفرقتها الموسيقية إلى أن أُحيل على التقاعد عام (1977). وفي خلال هذه المدّة الطويلة في الإذاعة أَحيا بالتعاون مع بعض الشعراء وخاصة رشيد زيد الكيلاني الكثير من الأغاني الشعبية الفلاحية. ولقد انتشر إنتاجه بواسطة دار الإذاعة والتلفزيون الأردني وغيرهما في البلاد العربية. ولقد رافق جميل العاص أيضاً الفرقة الأردنية للرقص الشعبي في رحلاتها الفنية. وكان لجميل العاص باع كبير في المهرجانات التي كانت تُنظم في أنحاء مختلفة من الأردن.
لقد لاقت أغانيه استحساناً في الوطن العربي، كما نال بعضُها شهرةً واسعة كتلك التي عالجها أو لحنها خصيصاً للمطربة سميرة توفيق. وبالرغم من أن سميرة توفيق لبنانية الأصل إلا أنها تُمثل الغناء الأردني خير تمثيل. وكان لزوجته الثانية المطربة سلوى، دورٌ في نشر أغانيه وألحانه إذ لحن أيضاً عدداً من الأغاني خصيصاً لها.
لقد أعطى العاص كثيراً لفن المسرح الغنائي، وهو ما يُطلق عليه "الأوبريت" (operette) في أجزاء كثيرة من الوطن العربي، وكانت ذروة إنتاجه تتمثل في مسرحية "خالدة" التي كتبها الشاعر عبد الرحيم عُمر وأخرجها هاني صنوبر. ولقد عالجها ووزعها الموسيقي اللبناني عبد الغني شعبان.
قضى العاص السنوات الأخيرة من عمره رهين المرض والعزلة وضيق ذات اليد، إلى أن رحل يوم 26/9/2003 بعد مسيرة حافلة بالعطاء.
توفيق النمري:
ولد الفنان توفيق النمري بلدة الحصن شمال الأردن سنة 1918. وامتهن تصليح الساعات إلى جانب عمله في قسم الموسيقى بالإذاعة الأردنية التي أنتجت كثيرا من ألحانه. وكان النمري أول أردني يبث أغانيه من دار الإذاعة الفلسطينية في القدس فترة الانتداب الإنجليزي. أتقن العزف على العود، لكن اهتمامه بالتلحين طغى على العزف.
وكان له دوراً موازياً لدور عبده موسى وجميل العاص في إبراز نمطٍ آخر من أنماط الغناء العربي. ويتمثل غناؤه وألحانه بالأسلوب المخضرم ما بين البدوي والقروي وهذا أسلوب نصادفه كثيراً في شرقي الأردن. وكان النمري عند بداية تأسيس دار الإذاعة في عمان، من القليلين الذين يقرأون ويدوّنون الكتابة الموسيقية الغربية. وقد استفاد من الإيقاعات الراقصة الأجنبية، بأن وضع لحناً يرافقُه إيقاع الفوكس تروت الراقص (foxtrot).
كما امتاز النمري بكتابة الشعر الشعبي مما مكنه من وضع كلمات الكثير من أغانيه.
غنى ألحانه كثير من المغنين العرب مثل: وديع الصافي، سميرة توفيق.
مُنح وسام الحسين للعطاء من الدرجة الأولى عام 2000، وكما مُنح وسام الاستقلال من الدرجة الثانية. وكرمته الجامعة الأردنية بمنحه درجة الدكتوراه الفخرية. توفي في 23/10/2011 عن عمر ناهز 93 عاما.
2- الموسيقيون التقليديون للموسيقى الفنية
لم يقتصر إنتاج هؤلاء الموسيقيين على الموسيقى التقليدية فحسب بل تخطى ذلك إلى جميع أنواع الموسيقى العربية من شعبية، ودينية، ووطنية، وفرانكو أراب، ولكنهم لم يتطرقوا لغير الموسيقى العربية.
رامز الزاغة
ولد رامز الزاغة في القدس عام (1914) وقد اقتصر عمله على العزف والتلحين، فهو عازف عود معروف في الأردن وله فيه خبرة طويلة، ويعرف الكثير من التراث الموسيقي التقليدي العربي من بشارف، وسماعياتٍ، وغيرها. وقد حرص التلفزيون الأردني أن يُسجل له عدداً من المقطوعات للعزف على العود. عمل الزاغة في الإذاعة الأردنية في رام الله منذ 1949وفي عام 1959 نُقل مقر الإذاعة الأردنية من رام الله إلى عمان وتم إعادة تعيينه في الإذاعة الأردنية ملحناً وعازف عود.
أخذ الزاغة على عاتقه تدريب الشباب الموهوبين للعزف على آلة العود، وكان له فضل تخريج عدد كبير من العازفين المهَرة والذين أصبح لهم شأن كبير في الساحة الفنية الأردنية.
عرف الزاغة بامتلاك عود خاص به تم صنعه في العراق، وقد تميز بهذا العود منذ عام 1970 حتى وفاته، ويذكر مختصون أن عوده تميز برنة خاصة محببة للأذن، وهو اليوم معروض ضمن مقتنيات بيت الفن.
امتدت شهرة رامز الزاغة إلى الوطن العربي، وقد رافق عددا من كبار الفنانين العرب كعازف على العود، كما قام رامز الزاغة بجولات فنية كثيرة في بلدان عربية، مصطحباً عوده معه، وقد لقي عزفه استحسان كل من سمعه من المختصين ومن المستمعين، وتحول إلى نجم كبير في عالم الموسيقى في المنطقة.
توفي الزاغة عام 1992 عن عمر ناهز الثامنة والسبعين عاماً. بعد أن أثرى المكتبة الموسيقية الأردنية بمجموعة كبيرة من التسجيلات والألحان.
روحي شاهين
درس الموسيقي روحي شاهين آلة التشيللو (cello) والنظريات العربية الأساسية في مصر لفترةٍ من الزّمن ثم عاد إلى الأردن لينضم إلى فرقة الإذاعة. مُنح عام 2011 جائزة الدولة التقديرية في حقل الفنون-الموسيقى والتلحين والغناء.
وقد وضع شاهين العديد من الألحان التي تتميز بمحاولة خلط الموسيقى الشعبية مع الموسيقى التقليدية الفنية، ويمكن أن نصطلح على هذا الأسلوب اسم الأردني/ المصري وذلك لوضوح الأسلوب المصري فيه. ومن الملحنين الذين عمدوا لهذه الطريقة واشتهروا في السبعينات من القرن الماضي: صبري محمود الذي ولد عام 1938، ومحمد وهيب. ومحمد الأدهم، وسامي الشايب، ورضوان المغربي (1940) ومن العازفين:
أنطون حجار (عازف ناي)، سامي خوري (عازف عود)، علي أبو خضرة (عازف قانون)، كرامة حداد (1943) وأنطون شمعون (1952) عازفي كمنجة (violin).
ومن المغنين:
فهد نجار، ميلاد فرح (1925)، محمد وهيب، إلياس عوالي، إسماعيل خضر، ومن المغنيات: سلوى، عايدة شاهين، سهام الصفدي (1954)، وسعاد هاشم.
وفي فترة الثمانينات اشتهر مالك وعامر ماضي بالغناء، وأميل حداد بالتلحين، إضافة إلى جيل جديد من المغنين منهم: ناصر ارشيد، منى حداد، وأيمن تيسير.
3- الموسيقيون ذوو الأسلوب المتأثر بالغرب
وُجد في الأردن بعض رواد هذا الأسلوب الذين اختاروا هذا النمط من الموسيقى. وأولهم عقيل أبو الشعر.
عقيل أبو الشعر
ولد عقيل أبو الشعر في الحصن، بالقرب من إربد في شمال شرقي الأردن، في نهاية القرن التاسع عشر. في عام 1893 ذهب عقيل إلى القدس للدراسة في المدرسة الكنسية حيث أمضى خمس سنوات. ابتعثته إدارة المدرسة إلى روما في إيطاليا لإتمام دراسته العليا، وهناك حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة والموسيقى.
كتب أبو الشعر قطعاً موسيقية بإحساس شرقي. كما في كتاب "العرب تحت النير التركي" عندما كان في باريس. هاجر بعدها إلى أمريكا اللاتينية حيث نزل في سانتو دومينغو. وبدأ حياته هناك بإعطاء دروسٍ للموسيقى والفنون. واشتهر هناك حتى أنه انتخب رئيساً لبلدية سانتو دومينغو وبعد فترة أخرى اختير محافظاً لها. وتدرج في المناصب الرفيعة حتى أصبح قنصلاً لجمهورية الدومينيكان في مرسيليا، وبالنهاية أضحى وزيراً لخارجيتها. إلا أنه لم يصلنا شيء من مؤلفاته الموسيقية.
أوغستين لاما
يعتبر أوغستين لاما أحد الأساتذة الفلسطينيين البارعين في الفن الموسيقي. عاش حياة هادئة مكرسا كل حياته واهتمامه للموسيقى تتلمذ على يده كثير من الموسيقيين. وهو عازف أرغنّ ممتاز، وكان يعزف دائماً في كنيسة بيت لحم إلى أن قضى نحبه هناك. كما أن ابنه باتريك لاما مؤلف موسيقي مهم، أتم دراسة التأليف الموسيقي في فرنسا، وجعل من موتيفات الموسيقا العربية التي ضمّتها مؤلفاته أعمالاً رائعة على مستوى عالمي.
ومن تلامذة أوغستين لاما المشهورين في الأردن: يوسف خاشو (توفي 1997)، وإلياس فزع اللذان اشتهرا بالعزف والتأليف الموسيقي، وفرانسوا نيكوديم الذي اشتهر كعازف بيانو (توفي 1975)
ومن العازفين المهتمين بالأساليب الغربية نذكر فؤاد ملص (فيولين–كمنجة)، ويوسف نصرة (كونتراباص)، وحبيب قيالة (فيولين – كمنجة).
وقد كانت ظروف الحياة سبباً لهجرة الكثيرين من الموسيقيين الأردنيين إلى البلاد الأميركية أو الخليج العربي حيث تتوفر فرص أفضل للعمل، وفي فترة السبعينات من القرن الماضي كاد الأردن يخلو من الموسيقيين الجيدين. ولكن الأحوال تحسنت فيما بعد وازداد عدد العائدين من دراسة الموسيقى في مصر في بداية الثمانينات مما بشر بحركة موسيقية نشطة، تُوجت فيما بعد بإنشاء قسم الفنون الجميلة في جامعة اليرموك ومن ثم المعهد الوطني للموسيقى، والأكاديمية الأردنية للموسيقى.
المصادر:
- الحياة الموسيقية في الأردن، د. عبد الحميد حمام، وزارة الثقافة، عمان، 2008. "بتصرُّف".
- رامز الزاغة.. عاشق العود والوتر الحزين، هزاع البراري، صحيفة "الرأي" الأردنية، 9/4/2012.
- جميل العاص.. ملحن أردني شاع منجزه عربيا، هشام عودة، الدستور، 16/7/2009.
- روحي شاهين: جائزة الدولة التقديرية منحتني دافعية للعطاء، صحيفة "الغد"، 27/2/2012.
- رحيل جميل العاص صاحب ألحان "بين الدوالي" و"دلعونة"، محمد الدعمة، صحيفة "الشرق الأوسط"، 26/9/2003.