لواء عجلون خلال العصر العثماني (القرن السادس عشر – التاسع عشر الميلادي)

لواء عجلون خلال العصر العثماني (القرن السادس عشر – التاسع عشر الميلادي):

أصبحت عجلون ومناطق شرق الأردن جزءًا من الدولة العثمانية إثر الفتح العثماني لبلاد الشام بعد معركة مرج دابق عام 922هـ/1516م، وتألف سنجق (لواء) عجلون التابع لأيالة (*)الشام من نواحي عجلون، بني علوان، الكورة، القدس، الصلت(السلط)، الكرك، الجولان الغربي، الجولان الشرقي، ناحية الكفارات، ناحية بني كنانة، بني جهمة، بني عطية، بني الأعسر، وناحية جيدور، حيث ضمت عجلون جميع المناطق المعروفة الآن بالمملكة الأردنية الهاشمية، مضافًا إليها أجزاء من فلسطين، وجنوب سوريا (حوران).
وشهد هذا اللواء كثافة في عدد القرى، إذ بلغ عدد القرى المأهولة بالسكان ضمن اللواء (145) قرية و(229) مزرعة، كان من بينها (75) قرية و(53) مزرعة في ناحية عجلون وحدها، والتي شهدت كثافة في الاستيطان نظراً لمناعة موقعها، وخصوبة تربتها، ووفرة مصادر المياه، ويلاحظ أن غالبية القرى والمزارع التي أشير لها في وثائق القرن السادس عشر حافظت على مسمياتها واستمراريتها حتى الوقت الحاضر.
وأسندت الدولة العثمانية إدارة لواء عجلون لشيوخ القبائل البدوية والزعامات الإقطاعية، ومن أبرز تلك الزعامات التي برزت خلال القرن السادس عشر زعامة الغزاوية، وأوكلت الإدارة العثمانية للزعامات الإقطاعية جباية الضرائب والمحافظة على الأمن، وخصصت جزءاً من واردات الضرائب للإنفاق على قافلة الحج الشامي، وتعمير القلاع والبرك، والإنفاق على القوات العسكرية المرافقة للقافلة والموكول لها حماية  قافلة .الحج، إلى جانب المخصصات التي تدفعها الدولة للقبائل البدوية المقيمة على طريق الحج، لتأمين حماية القافلة.
ويبدو من الوثائق المعاصرة أن مدينة عجلون كانت عامرة آنذاك، ومأهولة بالسكان، إذ تألفت في القرن السادس عشر من أربع محلات (حارات) ويتوزع سكان المدينة والقرى التابعة لها بين المسلمين والمسيحيين، ويشكل المسلمون الغالبية العظمى من السكان.
وانعكس ضعف الدولة العثمانية، وتراجع سلطتها المركزية، وتراخي قبضتها على ولاياتها سلباً على ولايات الدولة ومن بينها بلاد الشام، إذ تعاظمت قوة الزعامات المحلية على حساب قوة الدولة، وساد نظام الالتزام الذي أثر سلباً على الأوضاع السياسية والاقتصادية، وهيمنت البداوة، وارتفعت وتائر الاعتداءات البدوية على القرى الزراعية، وهذا بدوره أدى إلى تراجع النشاط الاقتصادي، وتناقص أعداد السكان، وسيطرة الزعامات المحلية على منطقة عجلون، فإلى جانب الغزاوية وبنو مهدي الذين سيطروا على عجلون خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، وآل العظم الذين تولوا السلطة في دمشق في القرن الثامن عشر، وظاهر العمر الزيداني وأولاده (1159-1189ه/1746-1775م)، وأحمد باشا الجزار (1189-1219ه/1775-1804م)، وتحكم الشيوخ المحليين الذين تمتعوا بالاستقلالية في إدارة شؤون مناطقهم مع التبعية الاسمية لباشا دمشق.
 (*) تشكل المستوى الإداري الأولي (الأعلى) بين القرن السادس عشر والقرن التاسع عشر في الامبراطورية العثمانية.
•    ملاحظة: شملت منطقة عجلون في الفترات الاسلامية المبكرة والوسطى إربد والبلدات والقرى التابعة لها.
وفي أواخر القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر الميلاديين اقتصرت حدود لواء عجلون على المناطق الشمالية من الأردن ما بين نهري اليرموك شمالًا والزرقاء جنوبًاً، وضم اللواء نواحي بني جهمة (البطين) والقرية الرئيسية في الناحية هي قرية إربد، وناحية الكفارات وقريتها الرئيسية (حبراص)، وناحية السرو وقريتها الرئيسية (فوعرة)، وبلاد بني عبيد وقريتها الرئيسية (الحصن)، ومنطقة الكورة، وقريتها الرئيسية (تبنه)، والوسطية، وأما ناحية جبل عجلون فمركزها قلعة الربض، حيث يقيم الشيخ، ثم المعراض (جرش) وقريتها الرئيسية قرية سوف، ثم منطقة الصويت (الرمثا) إلى الشرق من ناحية بني عبيد، والتي تمتد شمالاً حتى طريق الحج الشامي.
عجلون خلال فترة الحكم المصري (1247-1256ه/1831-1840م) :
تعد فترة حكم محمد علي باشا وابنه إبراهيم باشا مرحلة مفصلية في تاريخ الأجزاء الجنوبية من بلاد الشام ومن بينها شرقي الأردن، إذ وضعت حدًاً للحكم العثماني الأسمي الذي ساد في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وهيمنة النظام الإقطاعي وغياب الأمن، وهيمنة القبائل البدوية، وعودة السيطرة العثمانية المباشرة خلال مرحلة التنظيمات العثمانية، والتي أرست الدولة العثمانية من خلالها عدداً من القوانين والتنظيمات الإصلاحية تمثلت بخط شريف كولخانة عام 1255ه/1839 (*) وخط التنظيمات الخيرية عام 1272ه/1856م وتطبيق قانون الولايات عام 1281ه/1864م، وإصدار القانون الأساسي (المشروطية) عام 1293ه/1876م.(**)
(*)فرمان أصدره السلطان عبد المجيد الأول، وبه بدأت حركة الإصلاحات الواسعة المعرفة بـ "التنظيمات".
(**) أنظمة وقوانين تنظيمية أصدرها السلطان العثماني.

أدخل المصريون خلال حكمهم لبلاد الشام كثيرًاً من الإصلاحات والمفاهيم التنظيمية الحديثة، فمن الناحية الإدارية ألغيت التقسيمات الإدارية القديمة، وقسمت بلاد الشام إلى مديريات على رأس كل منها مدير يمثل السلطة المركزية فيها، وقسمت المديريات إلى متسلميات (*) على رأس كل منها متسلم يعينه الحكمدار العام في دمشق، وإلى جانب كل متسلم صراف يتولى أمورها المالية، ومباشر لجباية الأموال الأميرية، وناظر لكل قرية للغاية نفسها، وبدأ اتجاه لإشراك الأهالي في الإدارة من خلال المجالس الإدارية التي شكلت لتبادل المشورة، والنظر في الشؤون المحلية لكل متسلمية، ولم تقتصر الإصلاحات على الجهاز الإداري، بل شملت النواحي الاقتصادية، وحل الجيوش الإقطاعية، وفرض التجنيد الإجباري، وتجريد الأهالي من السلاح.
وخلال هذا العهد أصبحت عجلون متسلمية، وعهد بإدارتها لحسن بيك اليازجي، والخواجه موسى فارحي كاتبًاً للحسابات، وجابيًاً للضرائب، وأنيطت تبعيتها إلى دمشق، وأصبحت تسمى متسلمية بلاد إربد وعجلون، وأصبحت قرية إربد هي قاعدة الحكم، واستمرت إربد على هذا الحال حتى بعد عودة السلطة العثمانية المباشرة، وحتى نهاية الحكم العثماني لبلاد الشام عام 1918م.
(*)تنظيم إداري، ومفردها متسلمية، والمتسلم هو الشخص الذي يُسير أمور الإيالة في حال غياب الوالي.

وساهمت مجموعة من العوامل في إشعال الثورات وحركات التمرد في كثير من أنحاء بلاد الشام ومن بينها منطقة حوران وعجلون، في مقدمتها الدسائس الأجنبية، وتجريد الأهالي من السلاح، وفرض الضرائب وأساليب الجباية المرهقة، وفرض التجنيد الإجباري، وأعمال السخرة، وشملت حركة التمرد مناطق جبل عجلون، والقبائل البدوية في الأغوار وفي الشرق.
 وتزعم الثورة في جبل عجلون الشيخان بركات الأحمد وصلاح العبد الرحمن، ولم تهدأ الثورة بشكل نهائي، إلا بعد الأمان الذي منحه إبراهيم باشا للشيخ محمود الرفاعي زعيم ثورة حوران وعجلون، واستجابة الدولة لمطالب الأهلين، والقضاء على أسباب التمرد، ومن أبرزها عزل الموظفين الذين أرهقوا الأهالي بأعمال السخرة، والضرائب وأساليب الجباية الجائرة.

عجلون خلال مرحلة التنظيمات العثمانية (1864-1918م):
أثر انهيار الحكم المصري وخروج المصريين من بلاد الشام في شهر تموز من عام 1256هـ/1840م عادت تبعية منطقة عجلون للحكم العثماني، ودخلت المنطقة في حالة من الفوضى وانعدام الأمن بين عامي 1840-1864م وفساد الموظفين الرسميين، وتسلط القبائل البدوية واعتدائها على قرى الفلاحين، وهيمنة مشايخ القرى والإقطاعيين المحليين الذي يعينهم باشا دمشق، ويوكل لهم مهمة حفظ الأمن وجباية الضرائب، وارتبط تاريخ منطقة عجلون بتاريخ المناطق المجاورة في شمال فلسطين وحوران، والدور الذي نهض به الزعيم البدوي عقيلة آغا الحاسي الذي نجح في ملء الفراغ الذي أعقب خروج الإدارة المصرية، والذي فشلت الدولة العثمانية في أن تملأه بسهولة.
وفي هذه الفترة انتقل مركز الثقل في ناحية عجلون إلى قرية كفرنجة، مركز الزعامة المحلية القوية، لتحل محل قرية عجلون، ولم تعد قلعة عجلون مركزًا لإقامة الزعامة كما كان عليه الأمر في السابق، إذ انتقلت إلى قرية كفرنجة مركز إقامة الشيخ أو الأفندي وهو من  عشيرة الفريحات، الذي يتبع إداريًاً لسلطة الحاكم العثماني المقيم في بلدة إربد.
تعود بداية اهتمام الدولة العثمانية الفعلي بالأجزاء الجنوبية من بلاد الشام، ومن بينها عجلون إلى العام 1267هـ/1851م، عندما أرسلت عدة حملات عسكرية بقيادة قائد جيش عربستان الذي قاد حملة لتأديب القبائل البدوية في قضاء عجلون بسبب تعاظم خطرهم وتزايد اعتداءاتهم على الفلاحين المستقرين، وقدمت اقتراحات لتشكيل قائمقامية(*) جديدة في بلدة علعال، وإقامة قوات عسكرية بصورة دائمة لحفظ الأمن في عجلون وحوران، إلا أن هذه الاقتراحات لم تنفذ، واستمرت منطقة عجلون تحكم من قبل حكام دمشقيين لهم القليل من السلطة في حين يقبض الشيوخ المحليين على زمام السلطة الفعلية، وينوبوا عن الدولة في جباية الضرائب المفروضة على القرى الزراعية.
بدأت الارهاصات الأولى للتغيير الإداري في منطقة عجلون، كما تعكسها الوثائق العثمانية منذ عام 1274ه/1857م، إذ يشار له لواء مستقلاً عن لواء حوران، ويشار إلى أنه يضم جميع المناطق التي يتألف من الأردن حالياً، وهي عجلون مع توابع إربد، بلقاء كرك، وفي العام 1278هـ/1861م قبل تطبيق قانون الولايات العثماني عام 1864 أدمج لواء عجلون مع لواء حوران، وأصبح اللواء الجديد يضم جبل الدروز، حوران، قنيطرة، عجلون مع توابع إربد، بلقاء كرك.
(*)أعلى منصب إداري في الأقضية

وابتداءً من عام 1281هـ/1864م أصبحت عجلون قضاءً يتبع للواء حوران، التابع لولاية سوريا، واستمرت مناطق البلقاء والكرك تتبع إدارياً لقضاء عجلون حتى عام 1283هـ/1866م، إذ اقتصر مسمى قضاء عجلون على إربد وعجلون، وفي عام 1285ه/1868م طرأ تغيير إداري جديد، وهو تشكيل سنجق البلقاء الذي ضم نابلس مع ناحية بني صعب، كرك مع ناحية الطفيلة، والسلط مع ناحية الغور، وأما لواء حوران فضم نواحي جيدور، لجاه، الجولان، إربد وعجلون، جبل الدروز، حوران والقنيطرة.
واستمرت تبعية قضاء عجلون الإدارية إلى لواء حوران حتى نهاية الحكم العثماني عام 1918، واقتصرت حدوده الإدارية على المنطقة الجغرافية الممتدة من نهر اليرموك شمالاً، وحتى نهر الزرقاء جنوباً، ومركزه قصبة إربد، في حين كانت قرية عجلون هي المركز الإداري طوال الفترات السابقة خصوصاً في العهدين الأيوبي والمملوكي.
 ويمكن تفسير انتقال مركز الثقل من عجلون إلى إربد بسبب درجة تطورها الاقتصادي، وقربها من مركز لواء حوران، وتوسطها لقضاء عجلون، في حين تقع عجلون في الطرف الجنوبي الغربي من القضاء، ويضاف إلى ذلك توفر الموارد المائية، وموقع إربد على طرق المواصلات، وتعاطف الشيوخ المحليين وولائهم للسلطة العثمانية، كما تشكل قرية إربد حاجزاً يمنع قبائل البدو المقيمين شرقًا من التوغل على حساب القرى الزراعية غربًاً، وبعدها عن مراكز نفوذ الزعامات المحلية القوية، ومنها: آل الشريدة في الكورة، والفريحات في منطقة عجلون وكفرنجة.
التقسيمات الإدارية في الفترة العثمانية:
شاعت في منطقة عجلون تقسيمات محلية، تعد امتدادًاً لهيمنة الزعامات والأسر المحلية خلال الفترات التاريخية السابقة، وهو تقسيم بقي صداه في ذاكرة الأهالي، وفي الوثائق العثمانية الرسمية، وكتب الرحالة الأوروبيين الذين مروا بالمنطقة.
 وهذه التقسيمات أو النواحي هي: "البطين (بني جهمة)، المعراض (جرش)، الصويت (الرمثا)، الكفارات، السرو، بني عبيد، الكورة الوسطية، وجبل عجلون"، إلا أن التقسيم الإداري الذي اتبعته الدولة خلال مرحلة التنظيمات العثمانية كان قضاء عجلون يضم ناحيتين، الأولى: ناحية كفرنجة ابتداءً من عام 1303هـ/1885م، والثانية: ناحية الكورة ابتداءً من عام 1319هـ/1901م ومديرية فخرية مركزها قرية جرش ابتداءً من عام 1310هـ/1892م، كناحية فخرية، وعهد بإدارتها لأحد شراكسة جرش الذي جرى توطينهم في عدة قرى على سيف البادية، وامتداد طريق الحج الشامي، ومن بينها قرية جرش ابتداءً من عام 1884م.
وأسندت إدارة الناحيتين في كفرنجة والكورة إلى مدراء تعينهم الحكومة من خارج أبناء الناحيتين، وضمت ناحية كفرنجة قرى كفرنجة (مركز الناحية) ويتبع لها قرى عجلون: عين جنا، عنجرة، الخربة (خربة الوهادنة)، فارة (الهاشمية لاحقاً)، عرجان، راسون، حلاوة، أوصرة، باعون، صخرة، عبين، عبلين، وغالبية سكانها مسلمون باستثناء قرى عجلون، كفرنجة، عنجرة، عرجان، أوصرة، حلاوة، عين جنا، راجب الذي تقطنها مجموعة من العشائر المسيحية إلى جانب المسلمين الذين أشركتهم الدولة العثمانية في عضوية المجالس الإدارية، ومنحتهم حقوق المواطنة أسوة بالمسلمين خلال مرحلة التنظيمات العثمانية.
شكل قضاء عجلون طوال عصر التنظيمات العثمانية، القضاء الأول بين أقضية لواء حوران سواء من حيث عدد القرى المأهولة، إذ تجاوز عدد قراه (120) قرية، بلغ عدد القرى التابعة لناحية كفرنجة وجبل عجلون (25) قرية، في حين بلغت قرى ناحية الكفارات (11) قرية، وبني عبيد (21) قرية، والسرو (19) وبني جهمة (14)، والكورة (16)، والوسطية (14)، مما يعطي مؤشرًا على كثافة الاستيطان السكاني في عجلون والقرى التابعة لها، وكان قضاء عجلون الأكثر سكانًاً بين أقضية شرقي الأردن حتى نهاية العصر العثماني، إذ بلغ عدد سكان قضاء عجلون في أقدم إحصائية متاحة تعود لعام 1289هـ/1872م (1008) نسمة بينهم (708) مسيحيون والباقي مسلمون.
 وبلغ عدد سكان القضاء على ضوء إحصاء عام 1914م (61.967) نسمة، بلغ عدد المسلمين منهم (57156) نسمة، أي بمعدل (92.2%) من مجموع عدد السكان، وبلغ عدد المسيحيين الأرثوذكس (4749) نسمة أي بمعدل (7.6%) من عدد السكان.
 وأشار هذا الإحصاء إلى وجود (62) نسمة من جنسيات مختلفة لم تحدد، وقدر عدد السكان في قضاء عجلون عام 1915م بـ (61.500) نسمة منهم (31108) ذكور و(33092) إناث، وقدر عدد المسيحيين في أخريات العهد العثماني نحو (6000) نسمة.
إن هذه التقديرات تشير إلى أن قضاء عجلون كان الأكثر سكانًاً بين أقضية شرق الأردن الأخرى، إذ بلغ عدد سكان قضاء السلط (37235) نسمة، وقضاء الكرك (19551) نسمة، وقضاء معان (5752) نسمة، في حين كان عدد سكان قضاء الطفيلة (7750) نسمة، وإن تزايد عدد سكان قضاء عجلون مرتبط بلا شك بتحسن الأمن، وتحسن أساليب الإدارة، وقدرة الإدارة العثمانية على توفير الأمن والاستقرار لممارسة النشاط الاقتصادي، وكذلك للهجرات البشرية التي شهدتها المنطقة من مدن دمشق وحوران وفلسطين مما أدى إلى تعزيز الدور الذي نهضت به منطقة عجلون سياسياً واقتصادياً.
ومن المظاهر الإيجابية التي تركت أثرها  في أواخر العهد العثماني، إشراك الأهالي في الإدارة من خلال المجالس الإدارية الجديدة، وأرسيت كثير من المؤسسات الإدارية التي استمرت تؤدي دورها بعد تأسيس الإمارة الناشئة عام 1921م، وأسهم تطور وسائل الاتصال والمواصلات من خلال تمهيد الطرق ومد خطوط التلغراف، وإنشاء سكة حديد الحجاز التي ربطت المنطقة بحوران ودمشق شمالًا ووسط الأردن وجنوب وشمال الجزيرة العربية جنوبًاً، وأقضية فلسطين غربًاً، مما ترك أثره الإيجابي على انفتاح منطقة عجلون على ما جاورها، وازدادت مساهمتها في حركة النشاط التجاري، وأفادت منطقة عجلون من تصدير منتوجاتها من الحبوب والحطب والفحم المستخرج من أحراش جبال عجلون، وتصدير زيت الزيتون وغيره من السلع الغذائية عبر السكة الحديدية إلى دمشق، وميناء حيفا ومنه إلى أوروبا، واستقطب هذا النشاط أعدادًا من التجار الشوام الذين نشطوا حركة في التبادل التجاري بين المنطقة وخارجها.
عجلون بين عامي 1900-1921م:
ساءت أوضاع شرقي الأردن عمومًا ومنطقة عجلون خصوصًا، إثر وصول حزب الاتحاد والترقي للسلطة في الدولة العثمانية، بعد عام 1908م وتشددهم في تطبيق المركزية، والتشدد في فرض الضرائب، وأساليب الجباية المرهقة، وفرض التجنيد الإجباري، وعانت منطقة عجلون من الآثار السلبية للحملة العسكرية التي قادها سامي باشا الفاروقي على لواءي حوران والكرك عامي 1908م و1910م، والتي ترتب عليها تكثيف الوجود المركزي للسلطة العثمانية، وإخضاع المنطقة لإحصاء النفوس والتجنيد الإجباري، وتجريد الأهالي من السلاح، وإثقال كاهلهم بالضرائب، ونشرت الدولة سلسلة من المخافر حققت للدولة سلطة مباشرة على المنطقة لم يسبق لها مثيل.
وخلال سنوات الحرب العالمية الأولى (1914 -1918م) أصدر الاتحاديون عدداً من القوانين الاستثنائية، ووضعوا البلاد تحت الإدارة العرفية، وفرضوا الضرائب الباهظة، وصادروا مخزونات الأهالي من الحبوب والسلع الغذائية، بحجة المساهمة في المجهود الحربي (الإعانة الجهادية).
ولم يكن أهالي قضاء عجلون بمعزل عن التطورات السياسية والفكرية في بلاد الشام والحجاز، وانضوى العديد من الشباب العجلوني الذي نال حظًا من التعليم إلى جانب الحركة العربية المناوئة لسياسة الاتحاديين ممن تلقوا تعليمهم في مدارس ومعاهد دمشق واسطنبول، وانضوى بعضهم ضمن الجمعيات السياسية العربية المطالبة بإنصاف العرب، وإشراكهم في حكم أنفسهم من خلال اللامركزية، والتحق الكثير منهم بجيوش الثورة العربية الكبرى التي قادها المغفور له الشريف الحسين بن علي وأنجاله الأمراء: (فيصل وعبد الله وزيد وعلي)، وساهموا في تحرير الحجاز وبلاد الشام من نير الحكم التركي.
بتاريخ 27 أيلول 1918م انتهت تبعية قضاء عجلون للحكم التركي، وقدم إلى إربد الشريف سعد السكيني الذي عمل على تنظيم شؤون الحكم في قضاء عجلون، وبعد انتهاء الحرب أصبحت منطقة شرق الأردن بما فيها عجلون ضمن ما يسمى بالمنطقة الشرقية الممتدة من معان جنوبًاً وحتى الحدود السورية التركية شمالًا، والتي أسندت إدارتها للأمير فيصل بن الحسين، وأصبحت لاحقًا تسمى الحكومة العربية الفيصلية (1918-1920م)، وفي 8 آذار من العام 1920 م نادى المؤتمر السوري العام بالأمير فيصل ملكًا على سورية .
واستمرت تبعية عجلون للواء حوران، ومثل قضاء عجلون في انتخابات المؤتمر السوري الشيخ سليمان السودي الروسان، وعبد الرحمن ارشيدات.
وحالت الدسائس الاستعمارية البريطانية والفرنسية دون المضي في التجربة الاستقلالية للدولة العربية، على أثر المؤامرات التي حاكتها الدولتان لإجهاض الحلم العربي بالحرية والاستقلال، ففي اتفاقية سايكس بيكو  (1916م) ، ومؤتمر سان ريمو عام (1920م)، وزعت البلاد العربية على شكل انتدابات ففصلت لبنان عن سوريا ووضعتا تحت الانتداب الفرنسي، وكانت العراق وفلسطين وشرق الأردن من نصيب بريطانيا، على أن تتعهد الدولة المنتدبة على فلسطين بتنفيذ وعد بلفور الذي أصدرته بريطانيا في 2 تشرين الثاني عام 1917م والقاضي بإعطاء فلسطين وطناً قومياً لليهود.
 

كيف تقيم محتوى الصفحة؟