السردية التاريخية لمحافظة عجلون :
تمدنا الدراسات الأثرية الميدانية ، والنصوص التاريخية الأصلية بالمصادر الرئيسة لهذه السردية، وتدعمها تقارير الرحالة الذين زاروا المنطقة عبر العصور، وقد توصلت الدراسات الأثرية إلى أن المنطقة كانت مسكونة قبل حوالي أربعين الف عام .
واعتمادًا على الأدوات الصوانية في التشكيلات الجيولوجية وجد أن أقدم أثر للإنسان فوق أراضي الأردن كان في حوض نهر الزرقاء (دوقرة والسخنة) ، وأما في محافظة عجلون فإن أقدمها وجد في منطقة تقع على الحافة الشمالية لأحد الأودية الصغيرة الواقعة بين وادي كفرنجة في الشمال، ووادي راجب في الجنوب، والمعروف باسم "مغر الحمام"، والذي يتكون من خمسة كهوف (مغاور) يصل عمق أكبرها مساحة 12 مترًا، وأقصى ارتفاع لها عشرة أمتار، وعرض مدخلها سبعة أمتار، واستخدامها للاستيطان من المجموعات البشرية قبل أربعين الف سنة .
وقد قامت بعثة أثرية من "جامعة ايموري Emory University" بأمريكا بإجراء تحريات أثرية في المغاور، خرجت نتيجتها بأن هذه الكهوف آوت إليها قبل نحو ح أربعين ألف إلى عشرين ألف سنة جماعات متنقلة تعتمد على الصيد والجمع، وعثروا بين البقايا الأثرية على أدوات صوانية، وعظام حيوانات برية ومنها عظام الغزلان البرية التي كانت تعيش في المنطقة، وعظام بعض حيوانات الماشية والطيور والأسماك.
أما خلال مرحلة انتقال الجماعات البشرية من الصيد والجمع والتجوال إلى الاستقرار وإنتاج الطعام في المنطقة فتعود إلى أكثر من عشرة آلاف سنة، حيث بدأت هذه الجماعات في الزراعة وتدجين الحيوانات، وقد عثر في محافظة عجلون على بوادر أولى لهذه المرحلة، ويظهر أن مجموعة بشرية استقرت داخل كهف كبير مطل على وادي الريان (اليابس) اسمه "عراق الدب" ، وهو كهف يصعب الوصول إلى بابه إلا بتثبيت أزاميل في الصخر.
وقد عثر المنقبون داخل الكهف على أكواخ مبنية أساساتها من الحجارة الغفل(*)، بنيت على شكل شبه دائري، وأما أرضياتها الطينية فمغطاة بطبقة من اللياسة الجصية، وفيها حفر بيضاوية الشكل لتثبيت دعامات لرفع سقف الكوخ، كما عثر على قبرين مع مجموعة من الأدوات الصوانية تمتاز بصغر حجمها وتنسب للثقافة الناطوفية (حوالي 12 الف إلى 15 الف و 500 سنة من الحاضر، كما عثر على عدد من رؤوس السهام الصوانية المؤرخة للعصر الحجري الحديث ما قبل الفخار (حوالي 8 آلاف و500 - 7 آلاف و500 ق . م . )، ووجد أن الأشخاص الذين تم دفنهم داخل هذه الكهوف كانوا مدفونين بوضع القرفصاء داخل القبر، وقد حلل المنقبون مجموعة العينات بواسطة الكربون المشع.
بقايا كوخ في عراق الدب
(*) غير المشذبة
مجموعة من الأدوات الصوانية التي وجدت داخل الكهف
وبالإضافة لموقع "عراق الدب" تم العثور في موقع "تل الراهب" الواقع غرب بلدة عرجان، على عدد من الأدوات الصوانية خاصة رؤوس السهام، وكسر من أدوات بركانية شفافة مصنوعة من خامات السبج(*) التي تتوافر خاماته حاليًا في تركيا ، ويفهم من العثور على مثل هذه المواقع في محافظة عجلون أنها شهدت بوادر الاستقرار والزراعة في الألف التاسع قبل الميلاد ، كحال العديد من مناطق بلاد الشام .
(*) حجر بركاني يأتي من الحمم السوداء