Logo 2 Image




بلاد عجلون في عهد المماليك (1250 – 1517 م)

بلاد عجلون في عهد المماليك (684- 923 هجرية/ 1250 – 1517 م) . 

التفت المماليك منذ بداية دولتهم إلى التنظيم الإداري، لترميم آثار التدمير الذي خلفه الغزو المغولي، ولتهيئة البلاد لتنشيط التجارة وحماية القوافل التجارية المحلية والخارجية، وتأمين قافلة الحج الشامي والمصري، ولمعرفتهم بأن منطقة عجلون تمثل حلقة اتصال بين مصر مركز الدولة، وبلاد الشام، والحجاز، فقد جعلوا من عجلون نيابة  تتصل بدمشق، وحدد المؤرخون والجغرافيون حدود هذه النيابة، وهي تمثل حدود جبل عوف، وتقع ما بين وادي الزرقاء من القبلة، ومن الغرب الغور، ومن الشرق تنتهي حدود نيابة عجلون ببلاد الحيانية وهي من أعمال عجلون، ومن الشمال بلاد السواد، وتمتد إلى البرية شرقًا، وفي تحديد لأحد الجغرافيين اعتبر نيابة عجلون المنطقة الواقعة شرق جبل عاملة وعلى بعد مرحلتين(*) من السلط، ونهر اليرموك هو الحد الفاصل بين عجلون ونيابة دمشق، في حين يشكل نهر الزرقاء الحدّ الفاصل بين عجلون والصلت .


قسم المماليك النيابة إلى (أعمال) تتبعها، ومنها مدينة عجلون وهي قاعدة ومركز النيابة، وفيها القلعة، وذكر الرحالة ابن بطوطة (ت سنة 779 هـ / 1377 م)  الذي زار عجلون بأن فيها أسواق كثيرة، وهي مدينة حسنة وفيها قلعة خطيرة، يشقها نهر ماؤه عذب، وهذا يفسر وجود جسور وقناطر تخدم المدينة التي توسعت وضمت قيسارية وأسواق وبازار ذكرته مصادر المرحلة، ونظرًا لأهميتها التجارية فقد خدمتها مجموعة من الطرق ومنها الدرب السلطاني ودرب الربض والدرب الملوكي .


أما الأعمال التابعة لنيابة عجلون فهي: عمل الصويت، وعمل حبراص، وعمل مرو، وعمل الباعوثة، وعمل الحيانية، وتتبعها أيضًا أقاليم جرش، وبيت راس، وهذا التقسيم الإداري خدم الأمن وأعطى الدولة فرصة تنظيم التجارة الداخلية والإشراف على التجارة الخارجية أيضًا، لذلك ازدهرت النيابة، وتمتعت المدن القديمة بحالة من الازدهار التجاري، ومنها إربد التي عرف فيها البازار (السوق الكبير)، وفيها محطة للبريد الذي يصل بين دمشق والقاهرة، وساهم النشاط التجاري في ازدهار الزراعة التي ترتبط بالأمن، وذكرت في العهد المملوكي العديد من القرى التي تقوم على الزراعة، ومنها: إيدون والبارحة وتبنه وجمحا وحبكا وحكما والرمثا وزحر وسوم وعرجان والطيبة وكفر الماء وملكا وهام.


 ويفهم من المؤرخ أبو العباس القلقشندي(**) أن هذه المناطق الغنية بإنتاجها الزراعي شكلت (أرزاق العسكر والممر إلى الأبواب السلطانية)، ومعنى هذا اعتماد الدولة على الإنتاج الزراعي في المنطقة لإطعام الجيش، ولهذا أعطى سلاطين المماليك اهتمامًا خاصًا بالنيابة، وقاموا بزيارتها ومنهم السلطان الظاهر بيبرس، وكان قد أقام في قلعتها قبل أن يصبح سلطاناً، وأمر بنقل المجانيق وآلات الحصار إلى قلعة عجلون وقلعة الكرك، وكان يحرص على تفقد مراكز البريد بين دمشق والقاهرة، والتي تمر بإربد وزحر، وجاء الاهتمام بمراكز البريد لتأمين خطوط التجارة وقوافل الحج، والتأكيد على الأمن، وقد حرص المماليك على تأمين قافلة الحج، وكلفوا (آل مرا من ربيعة) بحراسة قوافل الحج  ما بين حوران والبلقاء، ثم تولت عائلة الغزاوية  في قرية صخره هذه المهمة، والتي استمرت معهم حتى العهد العثماني، حيث يمر طريق الحج الشامي من الرمثا إلى الفدين (المفرق)،  والضليل والزرقاء وعمان والجيزة  ومعان ، وكان يجب حماية القافلة وتأمين البرك ومنع الاعتداء عليها من البدو طوال خط  سيرها.


(*)وحدة قيس مسافات عربية قديمة، وهي المسافة التي يقطعها المسافر في يومٍ سيرًا على الأقدام، أو على الدواب سيرا معتادا، و تقدر بـ 24 ميلا، عند الحنفية والمالكية: 44.520كم، وعند الحنابلة والشافعية 89.04كم.
(**)شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي، الشهير بأبو العباس القلقشندي، من أبرز المؤرخين العرب، حيث اشتهر ببراعته في الإنشاء، والأدب، والبلاغة، والفقه الشافعي


حرص السلاطين على متابعة نواب نيابة عجلون، وكانت تصلهم شكاوى الأهالي، فيصدرون المراسيم السلطانية التي تلزم النواب بالعدل، وكان أهالي نيابة عجلون يتوجهون بشكاواهم إلى نائب دمشق، وتبين مصادر العهد المملوكي أن هناك علاقة كبيرة بين أهالي نيابة عجلون وبين حواضر المماليك في كل من دمشق والقدس، حيث وردت أسماء العديد من الشخصيات الفاعلة في الحياة التعليمية وفي إدارة الأوقاف والمدارس لأهالي من قرى نيابة عجلون في كل من دمشق والقدس، ومنهم مَن عمل مدرسًاً أو قاضيًاً أو مشرفًا على الأوقاف من أهالي إيدون والحصن وجمحا وباعون ودوقره وإربد وغيرها من القرى، وهي  إشارة لافتة على دور أهالي نيابة عجلون في الحياة الثقافية في العهد المملوكي، إضافة إلى أبناء حسبان والسلط والكرك والشوبك .


كما حرص سلاطين المماليك وكبار رجالها من الإداريين على تأمين الطرق إلى الأغوار المطلة على نيابة عجلون،  نظرًا لاحتكارهم زراعة قصب السكر وإنتاجه وعصره واحتكار بيعه، وعرف عن سلاطين المماليك اهتمامهم بمد نشاطهم التجاري العالمي، بعقد معاهدات تجارية مع الدول الأوروبية ، مما ساهم في نشوء الأسواق والقيساريات (أحد أشكال المنشآت التجارية والحرفية) في كل بلاد الشام ومصر، ومن بينها أسواق وقيسارية عجلون التي كان ينزلها تجار من خارج بلاد الشام . 


عرفت نيابة عجلون ظهور زعامة الأسرة الغزاوية، وكان مقرهم في قرية صخرة، وذكر ابن قاضي شهبة أن أمير بلاد عجلون جنوبي جرش وعجلون سار مع أمراء القبائل إلى دمشق، وحلفوا للسلطان المملوكي الناصر برقوق عام 791 هـ / 1388 م يمين الطاعة، لكن العلاقة بين الزعامات المحلية في نيابة عجلون وسلاطين المماليك في القاهرة تفاوتت بين الطاعة والتمرد، ويذكر ابن إياس في كتابه" بدائع الزهور، أن محمد بن ساعد الغزاوي سافر إلى القاهرة أيام سلطنة السلطان قانصوه الغوري وقدم له الهدايا والخيول، وذلك قبل انهيار دولة المماليك بسنوات قليلة، وبقيت الزعامات في نيابة عجلون على ولائها للمماليك عندما أسقط العثمانيون الدولة المملوكية عام 922ه/  1516 م في بلاد الشام، واستدعى هذا الولاء ارسال حملة لتأديب ابن ساعد الغزاوي .


وفي أواخر أيام المماليك تعرضت المنطقة للكثير من الأحداث الطبيعية والكوارث والأوبئة، ومنها الزلازل الذي أوقع إصابات في الأهالي والعمران في سنوات 702 هـ / 1302 م وفي سنة 716 هـ / 1316 م وأيضًا في سنة 886 هـ / 1481 م، كما تعرضت مدينة عجلون لسيل بسبب الأمطار والثلوج المتراكمة، الذي جرف الأسواق والدور وعلت المياه حتى وصلت سقف جامع عجلون، كما انتشرت العديد من الأوبئة وأكثرها خطرًا الطاعون الذي انتشر في عجلون سنة 748 هـ / 1347 م وأيضًا في سنة 795 هـ / 1392 م، فضلًا على تعرض المنطقة أحيانًا للجفاف وانتشار الجراد الذي كان يضر بالقرى والمزارع ويدفع الأهالي لهجران قراهم .
قبل سقوط الدولة المملوكية بسنوات معدودة، هاجم المغول دمشق عام 803 هـ / 1400 م ونهبوها وقتلوا الكثير من أهاليها، فهرب الناس ولجأ بعضهم إلى عجلون.


 ويذكر المؤرخ ابن حجي(*)  وهو من أهالي عجلون تفاصيل ما جرى أيام تيمورلنك في بعض انحاء عجلون من نهب وتدمير وأن الأهالي في حبراص هلكوا وهم في المخابئ خوفا من جيوش تيمورلنك ، ويبدو أن هذه الأوضاع التي سادت في أواخر العهد المملوكي من أوبئة وكوارث طبيعية وهجمات من جيش المغول ، ساهمت في اضعاف حال الأهالي ، وسهلت اجتياح جيش السلطان سليم الأول واحتلاله لبلاد الشام عام 922 هـ / 1516 م . 
(*)شهاب الدين أبو العباس، أحمد بن حجي بن موسى بن أحمد السعدي الحُسبانيالأصل (نسبة إلى حسبان)، الدمشقي.
 

كيف تقيم محتوى الصفحة؟