منطقة عجلون في العهد الأيوبي :
عاشت عجلون في العصور الإسلامية عصرها الذهبي إبان الحكم الأيوبي( 567- 648 ه، 1171-1250م ) والمملوكي 1250-1517م واكتسبت عجلون أهمية لموقعها الاستراتيجي وقربها من الأراضي المقدسة حيث أمر السلطان صلاح الدين الأيوبي أحد قادته، وهو عز الدين أسامه ببناء قلعة عجلون عام ( 580 ه، 1184م) لحماية الإقليم من هجمات الفرنج وحتى تكون همزة وصل ما بين دمشق والقاهرة وفي مواجهة قلعة كوكب الهوى بالقرب من بيسان.
وعلى الرغم من قصر مدة هذه الدولة، لكنها كانت مرحلة حاسمة في حياة المنطقة، وشهدت تغيرًا في القوى، ارتبطت بموقعة حطين الحاسمة ( 583 هـ/ 118 م )، وبسبب الموقع المتميز لجبل بني عوف، الذي يربط بين دمشق والقاهرة، استكمل الأيوبيون سلسلة القلاع التي تعتبر خط الدفاع الأول عن الدولة في وجه الفرنجة ببناء قلعة عجلون عام 580 هـ / 1184 م على يد الأمير عزّ الدين أسامة الجبلي، لتواجه سلسلة القلاع الحصينة للفرنجة، ومع أن القبائل العربية في منطقة عجلون عارضت بناء القلعة خوفًا من فقدان سطوتهم، لكنهم عادوا وخضعوا للسلطة الأيوبية بضغط كبير من الأمير عزّ الدين، وأصبحت قلعة جبل عجلون تشرف على طريق غور الأردن ما بين كفرنجة وعجلون وجرش، وطريق راجب، وطريق خربة الوهادنة، وطريق فارة (الهاشمية حالياً) واشتفينا وصولًا إلى عجلون، وقامت بحماية الطرق المؤدية إلى البلقاء، ومنعت توسع الفرنجة وسيطرتهم على الطرق .
اتخذ تخطيط القلعة في المرحلة الأولى من البناء الشكل المربع، وهو عبارة عن فناء مطوق بجدران حجرية ضخمة على شكل أسوار على زواياه أبراج مربعة تبرز عن سمت الجدران تحاكي في تخطيطها القلاع الرومانية التي أنشئت في الأردن في العصر الروماني، مثل: قلعة الأزرق وقصر إبشير وغيرها، ثم أضيف للقلعة في زمن الملك العادل سنة 611هـ/ 1214م، برجين مربعين وآخر على شكل حرف "لـ" كما جرت أعمال تجديد في زمن السلطان صلاح الدين يوسف 1250م، وجرت إضافات أخرى زمن السلطان المملوكي الظاهر بيبرس سنة 662ه/ 1263م.
تعرضت بعض أجزاء من القلعة، وخصوصًا العلوية للانهيار بعد زلزالي 1837م و1927م، وقامت الحكومة الأردنية بإجراء أعمال الصيانة والترميم للقلعة منذ تأسيسها وحتى يومنا الحاضر.
ويبدو أن بناء القلعة أضعف من سطوة القوى المحلية، وعزز موقع الدولة الأيوبية، وأسهم في تأمين خط المواصلات العسكري والقوافل التجارية بين طرفي الدولة في دمشق والقاهرة، وقد استخدمت قلعة عجلون في هذه المرحلة لتأمين وخزن الغلال للجيش وحفظ الأسلحة، وأطلق صلاح الدين يد الأمير عزّ الدين أسامة بإعطائه منطقة عجلون إقطاعًاً خاصًاً، وبقيت في يده ولم تصبح إداريًاً نيابة أيوبية، ومن المعروف أن وفاة صلاح الدين الأيوبي محرر الأراضي من الفرنجة، أضعفت من سطوة الدولة بسبب صراع الورثة على السلطة ، بدءًا بصراع ولديه الأفضل نور الدين ملك دمشق، والعزيز ملك مصر، وانفصال عجلون عن إقليم السواد الذي أصبح إقطاعًا تابعًا للأمير صارم الدين قايماز.
ومع أن الملك المعظم عيسى ( 615 هـ - 624 هـ / 1218 م – 1227 م ) حاول تعزيز سلطته على عجلون، وعين عليها الأمير عزّ الدين أيبك المعظمي، وأوعز له بإضافة برج جديد على القلعة ، إلاّ أن المنطقة لم تحظ بالاستقرار الإداري طوال العهد الأيوبي بسبب المنازعات العائلية أولًا، والتهديد الفرنجي ثانيًا ، ومع ذلك فقد شهدت عجلون أواخر عهد الأيوبيين في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب بناء مسجد عجلون الكبير عام 645 هـ / 1247 م والذي ما يزال معلمًا حضاريًا .
كما ان السلطان الناصر صلاح الدين يوسف جدّد البرج الشمالي الشرقي من القلعة، ووثق هذا التجديد بلوحة حجرية مثبتة على الجدار الجنوبي للبرج، في الوقت الذي بدأ تهديد المغول يعم المنطقة، فقد هاجموا دمشق سنة 658 هـ / 1260 م ، فترك الملك الناصر يوسف دمشق ولجأ إلى قلعة عجلون مع أهله وجواريه، ثم توجه هارباً إلى قلعة الكرك، فتعقبه المغول وقبضوا عليه، وأحضروه إلى قلعة عجلون بعد تدميرهم لقلاع عمان والسلط وزيزياء، وأمر المغول الملك الناصر أن يطلب من حامية قلعة عجلون فتح باب القلعة، فدخلها المغول وخربوها ودمروا الأبراج كما ذكر المؤرخ ابن شداد، وسجنوا الملك الناصر، وأصبحت المنطقة تحت سطوة المغول، ولكن هزيمتهم في معركة "عين جالوت" على يد المماليك عام 658 هـ / 1260 م ، أنهت فترة الخراب الكبير الذي شهدته بلاد الشام، وأصبحت المنطقة تحت المماليك، ودخل الأمير قطز عجلون، وأعاد عمارة القلعة، وبدأ مع المماليك التنظيم الإداري والعمراني، والاهتمام بالتجارة الداخلية والخارجية. والى الجنوب الغربي من عنجره وعلى مسافة 5كم، تقع خربة البدية والتي سميت بهذا الاسم لاستخدام البد (الشكل الحجري الأسطواني)، وأقامت جامعة اليرموك-كلية الآثار والانثروبولوجيا بالتعاون مع دائرة الآثار العامة عام 1997م، بإجراء تنقيبات أثرية بالموقع أسفرت عن الكشف عن كنائس بيزنطية، أكبرها الكنيسة التي بنيت وفق التخطيط البازيليكي وتزين أرضيتها فسيفساء تحمل زخارف ذات أشكال: هندسية وحيوانية ونباتية، وكتابة تسجيلية باللغة اليونانية تشير إلى تاريخ البناء سنة 632م.
كما تم الكشف عن مسجد بني في العصر الأموي المبكر، وهو مربع الشكل صغير المساحة يتألف المنبر من ثلاث درجات وجلسة ومحراب مجوف على شكل حنية نصف دائرية ويعد من أقدم المساجد في عجلون، كما تم الكشف عن أبنية وصهاريج مياه وقبور مقطوعة في الصخر ترجع لفترات تاريخيه مختلفة.